يرجع إسم هرقلة في تونس إلى عائلة رومانية كانت من المقدرة بمكان أن أنشأت مخازنها الخاصة لحفظ القموح والمتاجرة بها مع سائر بلاد المتوسط. فهذه الربوع كانت في الأصل مستقرا للأمازيغ تطالها يد الأعداء الذين يغزوها برا وبحرا فتعلمت مع مر القرون إقامة أشكال من التعاون مع المقبلين عليها بما يحولهم من مغتصبين وغزاة إلى متعالمين مع المقبلين عليها يشدهم بما في هذه الربوع من الخير الوفير إلى حد الإنصهار في فضائها الرحب لذلك تحول اليونانيون ثم الفينيقيون من تجار يتنافسون من أجل إقامة المحطات والمصارف إلى ذوات محليين.

وقد عرفت مدينة هرقلة قمة مجدها وإتساعها خلال الفترة الرومانية وقد كانت حلقة من حلقات التواصل بين الشمال والجنوب لاسيما في ميدان الملاحة والتجارة البحرية.

لقد كانت هذه المدينة مرفأ إقتصاديا ومحطة في المتوسط تلعب دور خط الوصل بين البيزاسيوم وخليج السرت من جهة ثم بين إفريقية وروما من جهة ثانية ولم يكن الكثير من مدن الساحل التي تتباهى عليها اليوم بنشاطها الإقتصادي الحديث قد ولدت بعد.

وتلاحقت الحضارات على مدينة هرقلة ومع إنبلاج فجر الإسلام غاصت مدينة هرقلة بكل كيانها في حضارة العرب والإسلام وإعتلى هذه الربوة المطلة على البحر أولياء الرحمان وهم من أصول مرابطية ومن ذوي البر الذين كانوا يساعدون الناس أيام القحط بمالهم وعلمهم ومنهم سيدي بومنديل وسيدي سالم وسيدي الخافي...وغيرهم كثر فلم تكن هرقلة تخلو من خرجات وحضرات وأفراح وعادات وإنغماس في التراث إلى حد النخاع ولقد كان للتاريخ العربي الإسلامي دورا كبيرا في تشكيل شخصية هرقلة المعمارية والتراثية سواء من حيث الشكل الخارجي للبنايات والتركيبة الداخلية للدار.

وقد خلفت هذه الحضارات المتعاقبة آثار مرورها وهو ما يفسر ثراء مدينة هرقلة بتراثها ومواقعها ومعالمها الأثرية لمختلف الحقب التاريخية بقدر ما تعد شواهد مادية لجذورنا التاريخية ومساهمتنا الإيجابية في إنتاج الحضارة العالمية منذ الأزمة الغابرة بقدر ما ينبغي أن يكون المصدر الذي يذكرنا بقدراتنا لمواكبة الركب الحضاري وتعد منطقة الآثار بهرقلة من أهم المعالم الأثرية والتاريخية لما تحويه من آثار ولوحات الفسيفساء الجميلة والأنيقة وهي دليل قاطع على قدم وعراقة تاريخ المنطقة وتعدد حضارتها وانفتاحها على حضارات أخرى وهو يعكس كذلك ثراء الفن فيها.